( كتب/ د. خضر محجز) 'قال د. غازي حمد الناطق الرسمي باسم رئيس الحكومة المقال إسماعيل هنية :إن المفاوضات مع الاحتلال لانتزاع الحقوق هي أداة سياسية ليست مرفوضة شرعا ولا وطنيا. وأكد حمد أن حماس لا مانع لديها من خوض مفاوضات مع الاحتلال وليست ضد مبدأ التفاوض طالما أبدت إسرائيل استعدادها لإنهاء احتلالها للأراضي التي احتلتها عام1967 وقامت عليها دولة فلسطينية وأصبحت القدس عاصمة لهذه الدولة والإقرار بحق العودة للاجئين، قائلا إن المفاوضات لا تعني الاعتراف بشرعية المحتل.
ونفى حمد أن يكون لتصريحاته حول المفاوضات في هذا التوقيت أي علاقة بالتحضيرات الجارية لمؤتمر الخريف, قائلا انه كان دائما مع المزاوجة بين العمل المقاوم والعمل السياسي المفاوض لاسترداد الحقوق، وأضاف انه مؤمن بان المزج بين المقاومة والعمل السياسي ضروري وانه لا يمكن للمقاومة بمفردها أو للتفاوض بمفرده حل القضية بل يجب المزج بينهما بتوازن وتكامل، على حد قوله'. ه
ذا هو تصريح الدكتور غازي حمد بنصه. وهذا هو ما يستدعي خطابي المفتوح له الآن. فأقول ـ بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ثم الصلاة على نبيه وأصحابه والتابعين ـ ما يلي: عزيزي دكتور غازي حمد تحية طيبة وبعد لا أعرف عن أي مفاوضات تتحدث، ولا أعرف إن كنت في هذا التصريح تتحدث باسم حماس أم باسم السيد إسماعيل هنية أم باسمك شخصيا. ولكن دعنا نناقش هذه الاحتمالات الثلاثة:
1ـ فإن كنت تتحدث باسمك شخصيا، فأنني أرجو أن يتسع صدرك لتقبل نصيحتي لك بالكف عن ذلك، لأننا نعرف جميعاً أن الحركات الأيديولوجية لا تسمح لعناصرها بأن يكون لهم رأي شخصي معلن. صحيح أنك قمت ذات مرة بكتابة موضوع لافت وجميل، بعنوان (ارحموا غزة). ولئن فُهم ذلك المقال في حينه بأنه رحلة بداية الخروج من حماس، فلقد بادرت خلال أيام قلائل إلى الإعلان عن موقف مناهض لما ورد في (ارحموا غزة)، وأصدرت في حينه تصريحات نارية مكنتك من البقاء في موقعك الأيديولوجي، إلى حين هذا التوقيت الحاسم. لست في وارد مناقشة ما سوف تصدره من نفي. فما كان كان، وما خرج من لسانك خرج وأصبح محسوبا عليك. وقد تضطر بالفعل إلى المبادرة بالإعلان عن (اجتهادات شخصية تتسع لها الحركة)... ولكنك تعلم، ونحن نعلم، وكل القراء يعلمون، أنك إن فعلت فلسوف نفهم بحق بأنك مجرد شخص يحاول ابتلاع ما قال، خوفا من غضب (الإخوة الكبار). ولكنني أظن أن (الإخوة الكبار) لن يغضبوا هذه المرة منك، بسبب التوقيت. إذن فأنت اليوم، وخلافا لما حدث في (ارحموا غزة)، تسير وفق الخط المرسوم، وما كان لك أن تفعل لولا التوقيت، وما كان لهم أن لا يغضبوا لولا التوقيت.
2ـ أما إن كنت تتحدث نيابة عن إسماعيل هنية، الذي تعمل عنده، فلعمري لقد قمت بتكرار ما قاله (أبو العبد) مرارا وتكرارا، فأي جديد في هذا سوى التوقيت؟!. 3ـ أما في حالة كونك تصرح بهذا الكلام نيابة عن تنظيم حماس، فيمكن لأي أحد من حماس أن يشجب تصريحك هذا، بدعوى أن حماس لها كل من (مشير المصري) و(أبو زهري) وفيهما الكفاية وزيادة، خصوصا وهما ينتميان إلى تيار مرجعي مختلف عنك أكثر مما تتوقع. فلماذا تشتغل إذن بما هو ليس من شغلك، أم أنها ضرورات التوقيت؟!.
إن ما قيل قد قيل، وإن للكلمات تاريخاً لا يمكن لها التبرؤ منه. وإن الكلمات لم تعد بريئة، منذ أن بدأت الأيديولوجيا تصبغها بالألوان المتعددة. وإن أي شخص يتصور براءة الكلمات، في عالم السياسة، إنما يكون مجرد ساذج يشتغل بما هو ليس من اختصاصه. وإن أي ناقد أو محلل لتاريخ الكلمات لا يمكن له أن يتقبل مثل هذه التصريحات، بمعزل عن التاريخ والزمن والجغرافيا والقوى الفاعلة. فدعنا يا صديقي نبحث سويا في التاريخ السري لتصريحك هذا.
دعنا نقل ما هو معروف أولاً، قبل الخوض فيما هو غير معروف. فالبحث في تاريخ الكلمات نوع من أنواع الحروب. وقد قيل قديما لكل زعيم مقاتل: 'وقاتل من عصاك بمن أطاعك'. فنحن سنقاتل ما خفي من تصريحك بما هو معلوم. من المعروف تماما بأنك كنت من أوائل من نادى، في حماس، بضرورة التعاطي مع المستجدات السياسية، بعد أوسلو. وأنك كنت ممن أسسوا لهذا الغرض (حزب الخلاص الوطني الإسلامي)، قبل أن يستولي (الأخوة الكبار) على ثمرة جهدكم، ويفككوا الحزب العاصي تماما. ولأنك بالفعل تتميز بهامش اعتدال، لا يرضي من فككوا حزبك، فقد وجدت أن بإمكانك الرجوع (عن ذل المعصية إلى حظيرة الطاعة)، والقبول بترديد ما قد لا تؤمن به في بعض الأحيان، ولو إلى حين. وما حيلتك في هذا، وقد كان ما كان مما لا تستطيع له ردا؟!.
الأمر الذي يعيدنا إلى محاولة قراءة جديدة لحركة الانتخابات التشريعية في رفح، وتفكيك علاقاتها السرية، بهدف التساؤل عما إذا كان عدم نجاحك فيها تدبيراً غير بريء، من أناس أكثر منك قدرة على التخطيط للمستقبل، ومحاسبة (الجناة)؟!. من يدري!. فلربما كان عدم نجاح آخرين كذلك لهذا السبب أيضاً؟!. وإلا فمن كان يستطيع أن يصدق أن لا يفوز مرشحو حماس، في منطقة سبق لهم أن اكتسحوها ـ انتخابيا ـ في المجالس البلدية، قبيل الانتخابات التشريعية بفترة قصيرة جداً؟!.
عزيزي دكتور حمد: لا بأس عليك. فنحن نعلم أنك تتحدث بما تراه منسجما مع أطروحاتك الشخصية. ولكن هل تصورت أن ما تقوله هنا جديد، ويستحق كل هذا الدم العبيط، الذي لم تستطع الأرض أن تشربه حتى اللحظة؟!. وهل كان كل ما حدث مجرد صراع على (سلطة اتخاذ قرار التنازل عن اللد وحيفا ويافا والمجدل) ؟!.
إن الواقع، يا صديقي الجميل، يقول بأن من تمثلهم مستعدون للقبول بدولة في الضفة والقطاع، مقابل هدنة تصل إلى ألف سنة، شرط أن لا تسمى صلحاً. فهل كان علينا أن نخوّن ياسر عرفات لمجرد أنه أخطأ في اختيار المصطلح؟!. وهل نحن الآن نخوض حرب مصطلحات؟!. وإلا فمن من السياسيين الفلسطينيين ـ ابتداء من (الثوري المقاتل ياسر عرفات) وصولاً إلى (المفرط المتنازل محمود عباس) ـ قال بأنه يقبل بأقل مما طرحته في تصريحك: دولة على غزة والضفة، بما فيها القدس، وعودة اللاجئين؟!. وهل يمكن القول ـ وفق منطق الأيديولوجيا الحماسية ـ بأنكم ومحمود عباس متفقون على التنازل عن كل من الجليل والنقب ويافا واللد والرملة. أم أن صلح الرملة الذي عقده صلاح الدين مع الصليبيين بات الآن صالحاً للاقتداء به، بعد أن لم يكن كذلك طوال رئاسة ياسر عرفات؟!. وهل يمكن اعتبار محمود عباس ـ وفق هذا المنطق ـ أكثر شجاعة في الإعلان عن آرائه من (أهل الإسلام)؟!.
عزيزي دكتور حمد: أعتقد أن هذه المسألة عويصة أكثر من الدخان، الذي كنا نرميه في المراحيض، حتى لا نمنحه لسجناء فتح، باعتباره حراما؛ ثم أصبحنا الآن نتاجر به، ونكتشف أن هناك من العلماء العدول من قال بالفعل بأنه مجرد (مكروه طبعاً، مباح شرعاً). عزيزي الدكتور: إن التاريخ وحده هو الذي يبرز النوايا الدفينة ويظهرها إلى عالم الشهادة. وإذا كان لا يمكن لصلاح الدين أن يكون مفرطا في تراب فلسطين، لمجرد تخليه (المؤقت) عن كل سواحل فلسطين للصليبيين، في لحظة سياسية حرجة؛ فلعمري لنحن أحوج إلى إعذار ياسر عرفات في كل ما قدمه من أطروحات، في ظل توحد النظامين العربي والإسلامي والدول الأوروبية وأمريكا وكل من هو غير فلسطيني، وراء خيار التفاوض والقبول بكل ما تمليه علينا إسرائيل ـ أم لعلك ستكابر في هذه كذلك؟! ـ وإذا كانت حماس وحكومة هنية تطالب بما طالب به المفاوض الفلسطيني، فلم كان كل هذا القتال؟!. ألمجرد تبديل الجالسين على كرسي المفاوضات؟!. إنه لدم عبيط وهائل وشديد الحرمة، هذا الذي دُفع ثمنا لحق التنازل عن يافا وحيفا واللد والرملة والجليل والنقب. أليس كذلك يا عزيزي؟!.
عزيزي الدكتور العقلاني: يقول فرويد بأن: النفي طريقة للتوكيد على الشيء المكبوت... وأنت يا عزيزي تبادر ـ دون أن يطلب منك ذلك أحد ـ إلى نفي أن تكون لتصريحاتك هذه، حول المفاوضات في هذا التوقيت، أي علاقة بالتحضيرات الجارية لمؤتمر الخريف. فهل تظن بأن علينا أن نتمتع بقدر من السذاجة يخولنا بأن نصدق نفيك هذا، على اعتبار أنك من (جماعة المؤمنين) التي لا يعرف الكذب طريقه إليها؟!. أم أن علينا بالفعل أن نؤمن بأن لجوءك إلى هذا النفي (المجاني) إن هو إلا محاولة استباقية لمصادرة أي شبهة تكذيب منا لشخصك الكريم. ومرة أخرى؟!. يقول فرويد بأنه: بمعونة رمز النفي، يحرر التفكيرُ نفسَه من قيد الكبت، ويُغني نفسَه بتلك المادة التي لا غنى عنها لعمله المناسب. فهل يمكن لنا القول بأنك تحرر، بنفيك الاستباقي هذا، نفسك من قيد الكبت الواقع عليك، جراء قولك ما أنت به غير مؤمن؟!.
عزيزي الدكتور الجميل: لقد نرى، أنا وأنت سوياً، أن مؤتمر الخريف قادم. ربما تعوقه بعض المعوقات الإقليمية. وربما يتم تأجيله قليلاً. لكن المؤكد أن البعض متخوف من أن يقود إلى بداية انطلاقة للعملية التفاوضية، بين منظمة التحرير وإسرائيل. وهذا ما أظن أنه السبب الحقيقي وراء تصريحك، الذي سيتعجل في تحليل علاقاته (الأخوة الكبار). لكن علينا أن لا ننسى ـ وفقا لتصريحاتك وتصريحات هنية ـ أن من تتحدثون باسمهم مستعدون ـ وقد أعلنوا ذلك ـ للتفاوض، والقبول بأقل مما قبل به محمود عباس وياسر عرفات. وإلى أن يحدث هذا، فسوف نظل أنا وأنت متأكدين، بأن الموقعين المتدينين المستقبليين، سوف يأمروننا حينئذ بطاعة الله والرسول وأولي الأمر منا، ثم لن يعييهم الاستشهاد بصلح الحديبية، الذي لا يتحدث عنه أحد اليوم.
لكن السؤال الذي يصر على أن يطل برأسه هنا هو: هل نحن انتخبنا حكومة حماس لتكون ممثلة للشعب الفلسطيني، في كل أماكن وجوده، أم أن من انتخبها فقط هم سكان الضفة والقطاع؟!. وهل انتخبنا حماس كقوة سياسية وحيدة، من مهماتها إدارة المفاوضات مع العدو الصهيوني، أم أننا انتخبناها كحكومة تحكم، بالمشاركة مع الرئيس المنتخب، الضفة والقطاع ليس إلا؟!. وهل من مهمات حكومة الضفة والقطاع أن تنازع منظمة التحرير تمثيلها للشعب الفلسطيني كله، أم أن مهماتها تنحصر في كونها منبثقة عنها، باعتبارها ـ أي المنظمة ـ مرجعيتها السياسية، خصوصا وأن من وقع أوسلو، التي قام بفعلها الكيان السياسي للضفة والقطاع، هو منظمة التحرير؟!. ثم من هو الطرف الذي وقع وثيقة اعتراف متبادل مع إسرائيل، هل هي حماس أم منظمة التحرير؟!. ثم من هو المعترف به والممثل رسميا في المحافل الدولية، هل هي حماس أم منظمة التحرير؟!.
عزيزي دكتور حمد: أرى أنكم تقاتلون منظمة التحرير الفلسطينية، بأصوات أغلبية بسيطة في غزة والضفة. فهل تظن أن في هذا شيئاً من العدل؟!. عزيزي دكتور حمد: ألا ترى أنكم تضعفون موقف المفاوض الفلسطيني، عن عمد وسبق إصرار، في سبيل مصلحة الحزب؟!. عزيزي دكتور حمد: سقيا لأيام خلت، كانت فلسطين فيها لنا أهم من كل الأحزاب. أخي وعزيزي دكتور غازي: لماذا أراك الآن في الموقع الخطأ؟
ونفى حمد أن يكون لتصريحاته حول المفاوضات في هذا التوقيت أي علاقة بالتحضيرات الجارية لمؤتمر الخريف, قائلا انه كان دائما مع المزاوجة بين العمل المقاوم والعمل السياسي المفاوض لاسترداد الحقوق، وأضاف انه مؤمن بان المزج بين المقاومة والعمل السياسي ضروري وانه لا يمكن للمقاومة بمفردها أو للتفاوض بمفرده حل القضية بل يجب المزج بينهما بتوازن وتكامل، على حد قوله'. ه
ذا هو تصريح الدكتور غازي حمد بنصه. وهذا هو ما يستدعي خطابي المفتوح له الآن. فأقول ـ بعد حمد الله والثناء عليه بما هو أهله، ثم الصلاة على نبيه وأصحابه والتابعين ـ ما يلي: عزيزي دكتور غازي حمد تحية طيبة وبعد لا أعرف عن أي مفاوضات تتحدث، ولا أعرف إن كنت في هذا التصريح تتحدث باسم حماس أم باسم السيد إسماعيل هنية أم باسمك شخصيا. ولكن دعنا نناقش هذه الاحتمالات الثلاثة:
1ـ فإن كنت تتحدث باسمك شخصيا، فأنني أرجو أن يتسع صدرك لتقبل نصيحتي لك بالكف عن ذلك، لأننا نعرف جميعاً أن الحركات الأيديولوجية لا تسمح لعناصرها بأن يكون لهم رأي شخصي معلن. صحيح أنك قمت ذات مرة بكتابة موضوع لافت وجميل، بعنوان (ارحموا غزة). ولئن فُهم ذلك المقال في حينه بأنه رحلة بداية الخروج من حماس، فلقد بادرت خلال أيام قلائل إلى الإعلان عن موقف مناهض لما ورد في (ارحموا غزة)، وأصدرت في حينه تصريحات نارية مكنتك من البقاء في موقعك الأيديولوجي، إلى حين هذا التوقيت الحاسم. لست في وارد مناقشة ما سوف تصدره من نفي. فما كان كان، وما خرج من لسانك خرج وأصبح محسوبا عليك. وقد تضطر بالفعل إلى المبادرة بالإعلان عن (اجتهادات شخصية تتسع لها الحركة)... ولكنك تعلم، ونحن نعلم، وكل القراء يعلمون، أنك إن فعلت فلسوف نفهم بحق بأنك مجرد شخص يحاول ابتلاع ما قال، خوفا من غضب (الإخوة الكبار). ولكنني أظن أن (الإخوة الكبار) لن يغضبوا هذه المرة منك، بسبب التوقيت. إذن فأنت اليوم، وخلافا لما حدث في (ارحموا غزة)، تسير وفق الخط المرسوم، وما كان لك أن تفعل لولا التوقيت، وما كان لهم أن لا يغضبوا لولا التوقيت.
2ـ أما إن كنت تتحدث نيابة عن إسماعيل هنية، الذي تعمل عنده، فلعمري لقد قمت بتكرار ما قاله (أبو العبد) مرارا وتكرارا، فأي جديد في هذا سوى التوقيت؟!. 3ـ أما في حالة كونك تصرح بهذا الكلام نيابة عن تنظيم حماس، فيمكن لأي أحد من حماس أن يشجب تصريحك هذا، بدعوى أن حماس لها كل من (مشير المصري) و(أبو زهري) وفيهما الكفاية وزيادة، خصوصا وهما ينتميان إلى تيار مرجعي مختلف عنك أكثر مما تتوقع. فلماذا تشتغل إذن بما هو ليس من شغلك، أم أنها ضرورات التوقيت؟!.
إن ما قيل قد قيل، وإن للكلمات تاريخاً لا يمكن لها التبرؤ منه. وإن الكلمات لم تعد بريئة، منذ أن بدأت الأيديولوجيا تصبغها بالألوان المتعددة. وإن أي شخص يتصور براءة الكلمات، في عالم السياسة، إنما يكون مجرد ساذج يشتغل بما هو ليس من اختصاصه. وإن أي ناقد أو محلل لتاريخ الكلمات لا يمكن له أن يتقبل مثل هذه التصريحات، بمعزل عن التاريخ والزمن والجغرافيا والقوى الفاعلة. فدعنا يا صديقي نبحث سويا في التاريخ السري لتصريحك هذا.
دعنا نقل ما هو معروف أولاً، قبل الخوض فيما هو غير معروف. فالبحث في تاريخ الكلمات نوع من أنواع الحروب. وقد قيل قديما لكل زعيم مقاتل: 'وقاتل من عصاك بمن أطاعك'. فنحن سنقاتل ما خفي من تصريحك بما هو معلوم. من المعروف تماما بأنك كنت من أوائل من نادى، في حماس، بضرورة التعاطي مع المستجدات السياسية، بعد أوسلو. وأنك كنت ممن أسسوا لهذا الغرض (حزب الخلاص الوطني الإسلامي)، قبل أن يستولي (الأخوة الكبار) على ثمرة جهدكم، ويفككوا الحزب العاصي تماما. ولأنك بالفعل تتميز بهامش اعتدال، لا يرضي من فككوا حزبك، فقد وجدت أن بإمكانك الرجوع (عن ذل المعصية إلى حظيرة الطاعة)، والقبول بترديد ما قد لا تؤمن به في بعض الأحيان، ولو إلى حين. وما حيلتك في هذا، وقد كان ما كان مما لا تستطيع له ردا؟!.
الأمر الذي يعيدنا إلى محاولة قراءة جديدة لحركة الانتخابات التشريعية في رفح، وتفكيك علاقاتها السرية، بهدف التساؤل عما إذا كان عدم نجاحك فيها تدبيراً غير بريء، من أناس أكثر منك قدرة على التخطيط للمستقبل، ومحاسبة (الجناة)؟!. من يدري!. فلربما كان عدم نجاح آخرين كذلك لهذا السبب أيضاً؟!. وإلا فمن كان يستطيع أن يصدق أن لا يفوز مرشحو حماس، في منطقة سبق لهم أن اكتسحوها ـ انتخابيا ـ في المجالس البلدية، قبيل الانتخابات التشريعية بفترة قصيرة جداً؟!.
عزيزي دكتور حمد: لا بأس عليك. فنحن نعلم أنك تتحدث بما تراه منسجما مع أطروحاتك الشخصية. ولكن هل تصورت أن ما تقوله هنا جديد، ويستحق كل هذا الدم العبيط، الذي لم تستطع الأرض أن تشربه حتى اللحظة؟!. وهل كان كل ما حدث مجرد صراع على (سلطة اتخاذ قرار التنازل عن اللد وحيفا ويافا والمجدل) ؟!.
إن الواقع، يا صديقي الجميل، يقول بأن من تمثلهم مستعدون للقبول بدولة في الضفة والقطاع، مقابل هدنة تصل إلى ألف سنة، شرط أن لا تسمى صلحاً. فهل كان علينا أن نخوّن ياسر عرفات لمجرد أنه أخطأ في اختيار المصطلح؟!. وهل نحن الآن نخوض حرب مصطلحات؟!. وإلا فمن من السياسيين الفلسطينيين ـ ابتداء من (الثوري المقاتل ياسر عرفات) وصولاً إلى (المفرط المتنازل محمود عباس) ـ قال بأنه يقبل بأقل مما طرحته في تصريحك: دولة على غزة والضفة، بما فيها القدس، وعودة اللاجئين؟!. وهل يمكن القول ـ وفق منطق الأيديولوجيا الحماسية ـ بأنكم ومحمود عباس متفقون على التنازل عن كل من الجليل والنقب ويافا واللد والرملة. أم أن صلح الرملة الذي عقده صلاح الدين مع الصليبيين بات الآن صالحاً للاقتداء به، بعد أن لم يكن كذلك طوال رئاسة ياسر عرفات؟!. وهل يمكن اعتبار محمود عباس ـ وفق هذا المنطق ـ أكثر شجاعة في الإعلان عن آرائه من (أهل الإسلام)؟!.
عزيزي دكتور حمد: أعتقد أن هذه المسألة عويصة أكثر من الدخان، الذي كنا نرميه في المراحيض، حتى لا نمنحه لسجناء فتح، باعتباره حراما؛ ثم أصبحنا الآن نتاجر به، ونكتشف أن هناك من العلماء العدول من قال بالفعل بأنه مجرد (مكروه طبعاً، مباح شرعاً). عزيزي الدكتور: إن التاريخ وحده هو الذي يبرز النوايا الدفينة ويظهرها إلى عالم الشهادة. وإذا كان لا يمكن لصلاح الدين أن يكون مفرطا في تراب فلسطين، لمجرد تخليه (المؤقت) عن كل سواحل فلسطين للصليبيين، في لحظة سياسية حرجة؛ فلعمري لنحن أحوج إلى إعذار ياسر عرفات في كل ما قدمه من أطروحات، في ظل توحد النظامين العربي والإسلامي والدول الأوروبية وأمريكا وكل من هو غير فلسطيني، وراء خيار التفاوض والقبول بكل ما تمليه علينا إسرائيل ـ أم لعلك ستكابر في هذه كذلك؟! ـ وإذا كانت حماس وحكومة هنية تطالب بما طالب به المفاوض الفلسطيني، فلم كان كل هذا القتال؟!. ألمجرد تبديل الجالسين على كرسي المفاوضات؟!. إنه لدم عبيط وهائل وشديد الحرمة، هذا الذي دُفع ثمنا لحق التنازل عن يافا وحيفا واللد والرملة والجليل والنقب. أليس كذلك يا عزيزي؟!.
عزيزي الدكتور العقلاني: يقول فرويد بأن: النفي طريقة للتوكيد على الشيء المكبوت... وأنت يا عزيزي تبادر ـ دون أن يطلب منك ذلك أحد ـ إلى نفي أن تكون لتصريحاتك هذه، حول المفاوضات في هذا التوقيت، أي علاقة بالتحضيرات الجارية لمؤتمر الخريف. فهل تظن بأن علينا أن نتمتع بقدر من السذاجة يخولنا بأن نصدق نفيك هذا، على اعتبار أنك من (جماعة المؤمنين) التي لا يعرف الكذب طريقه إليها؟!. أم أن علينا بالفعل أن نؤمن بأن لجوءك إلى هذا النفي (المجاني) إن هو إلا محاولة استباقية لمصادرة أي شبهة تكذيب منا لشخصك الكريم. ومرة أخرى؟!. يقول فرويد بأنه: بمعونة رمز النفي، يحرر التفكيرُ نفسَه من قيد الكبت، ويُغني نفسَه بتلك المادة التي لا غنى عنها لعمله المناسب. فهل يمكن لنا القول بأنك تحرر، بنفيك الاستباقي هذا، نفسك من قيد الكبت الواقع عليك، جراء قولك ما أنت به غير مؤمن؟!.
عزيزي الدكتور الجميل: لقد نرى، أنا وأنت سوياً، أن مؤتمر الخريف قادم. ربما تعوقه بعض المعوقات الإقليمية. وربما يتم تأجيله قليلاً. لكن المؤكد أن البعض متخوف من أن يقود إلى بداية انطلاقة للعملية التفاوضية، بين منظمة التحرير وإسرائيل. وهذا ما أظن أنه السبب الحقيقي وراء تصريحك، الذي سيتعجل في تحليل علاقاته (الأخوة الكبار). لكن علينا أن لا ننسى ـ وفقا لتصريحاتك وتصريحات هنية ـ أن من تتحدثون باسمهم مستعدون ـ وقد أعلنوا ذلك ـ للتفاوض، والقبول بأقل مما قبل به محمود عباس وياسر عرفات. وإلى أن يحدث هذا، فسوف نظل أنا وأنت متأكدين، بأن الموقعين المتدينين المستقبليين، سوف يأمروننا حينئذ بطاعة الله والرسول وأولي الأمر منا، ثم لن يعييهم الاستشهاد بصلح الحديبية، الذي لا يتحدث عنه أحد اليوم.
لكن السؤال الذي يصر على أن يطل برأسه هنا هو: هل نحن انتخبنا حكومة حماس لتكون ممثلة للشعب الفلسطيني، في كل أماكن وجوده، أم أن من انتخبها فقط هم سكان الضفة والقطاع؟!. وهل انتخبنا حماس كقوة سياسية وحيدة، من مهماتها إدارة المفاوضات مع العدو الصهيوني، أم أننا انتخبناها كحكومة تحكم، بالمشاركة مع الرئيس المنتخب، الضفة والقطاع ليس إلا؟!. وهل من مهمات حكومة الضفة والقطاع أن تنازع منظمة التحرير تمثيلها للشعب الفلسطيني كله، أم أن مهماتها تنحصر في كونها منبثقة عنها، باعتبارها ـ أي المنظمة ـ مرجعيتها السياسية، خصوصا وأن من وقع أوسلو، التي قام بفعلها الكيان السياسي للضفة والقطاع، هو منظمة التحرير؟!. ثم من هو الطرف الذي وقع وثيقة اعتراف متبادل مع إسرائيل، هل هي حماس أم منظمة التحرير؟!. ثم من هو المعترف به والممثل رسميا في المحافل الدولية، هل هي حماس أم منظمة التحرير؟!.
عزيزي دكتور حمد: أرى أنكم تقاتلون منظمة التحرير الفلسطينية، بأصوات أغلبية بسيطة في غزة والضفة. فهل تظن أن في هذا شيئاً من العدل؟!. عزيزي دكتور حمد: ألا ترى أنكم تضعفون موقف المفاوض الفلسطيني، عن عمد وسبق إصرار، في سبيل مصلحة الحزب؟!. عزيزي دكتور حمد: سقيا لأيام خلت، كانت فلسطين فيها لنا أهم من كل الأحزاب. أخي وعزيزي دكتور غازي: لماذا أراك الآن في الموقع الخطأ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق