٢٤‏/١٠‏/٢٠٠٧

رسالة غازي حمد حمامة سلام هجرت عش الذئاب... بقلم:جمال قبها


كل من قرأ رسالة غازي حمد , يدرك أن الرجل في أمس الحاجة إلى التوبة لله بعدما تلطخت يد الحركة التي ينتمي إليها بالدم , وفي قراءة متأنية في تلك الرسالة نستدل على أن الرجل قد خرج فعلاً من النفق الحمساوي ليرى النور حتى لو كان مظلماً , فتلك الرسالة في الحقيقة جاءت بالكثير من الوقائع الصحيحة , بالرغم من محاولة الرجل مسك السيف من الوسط , متناسياً أن السيف يحمل ميزة القتل من كل الجهات , فالبرغم من محاولته الحثيثة الخروج من العتمة التي غطت سماء حركة التمرد الدموي حماس , إلا أنه أبقى على نوعاً من الانحياز لتلك العتمة , وكأن الرجل لا زال في شوق إلى تلك العتمة , أو أنه خائف من العواصف والرعد والبرق التي تحملها عادة الغيوم السوداء .
ومع هذا كله نرى أن في هذه الرسالة تغيراً إيجابياً بالرغم من عدم اكتمال نصاب تلك الايجابيات , إلا أننا من واجبنا الوطني أن نتبنى هذه الرسالة وما جاء فيها من محاولة إفاقة للضمير , والسعي إلى أن يكتمل نصاب التوبة , فأن نكسب رجلاً واحداً خيراً لنا من أن نخسره , وهذا الصوت وهذه النبرة التي جاءت على لسان الرجل لا بد لنا أن نكرمها وأن نحاول أن ندفئها حتى نتمكن من مساعدته إلى الخروج من الجسد والفكر المسحور الذي طالما سكنه على مدى أربع عقود.
لا بد لنا في الحقيقة أن نأخذ بعين الاعتبار أن مرتكب المعصية خيراً عند الله من مرتكب الفاحشة , وأعتقد جازماً أن الشعب قادراً على أن يسامح وقادراً على استقبال التائبين بوجه بشوش وبوردة من رائحة الوطن.
فحوى هذه الرسالة حملت للجميع الكثير من الرسائل العلنية والرسائل المشفرة , فحديث غازي حمد في تلك الرسالة عن الوطن الواسع يعني أنه استقال فعلياً من الوطن الضيق , الوطن الذي أقامته حركة التمرد الدموي حماس في غزة , لقد استقال من دولة الدم , وحكم السلطان الجائر , لقد استقال فعلياً من التيه ومن الشذوذ الفكري ومن المجون السياسي.
إنني مسرور جداً من تلك الرسالة بالرغم من السلبيات الكثيرة التي احتوتها , إلا أنني رأيت فيها حمامة سلام خائفة فغادرت العش الحمساوي , لكنها لم تغادر بعد الحدود التي تسيطر عليها تلك الحركة الماجنة.
وليس مستغرباً أن يطل علينا غازي حمد بتلك الرسالة من على شرفة الضمير , ويلوح للشعب بأنه قد عاد إلى حضن الوطن الواسع , فالخير في وفي أمتي إلى يوم الدين , وهذا الصوت المتعب من إراقة الدماء ومن تبرير الجرائم آن له أن يستريح , ومن واجبنا أن نؤمن له سبل الراحة وسبل البوح بالمكنون , وعلينا أن نساعده على تخطي أزمة الضمير الذي عاش في سبات فترة طويلة , وعلينا أن نساعده على تأهيل ذاك الضمير حتى يعود من الضمائر النقية التي لا تخشى في الله لومة لائم.
وهنا لا بد لي أن أوجه رسالة إلى هذا الرجل الذي عاد من جديد يحمل راية فلسطين والوطن الواسع , لأقول له بورك الضمير الذي آفاق حتى لو لم يكتمل الوعي فيه , بورك ذاك اللسان الذي تحدث بمرارة عن تلك التجربة التي عاشها في ظل التفرد الفكري لحركة التمرد الدموي حماس , بورك من قال كلمة حق , وبورك من تحدث مطولاً عن سلبيات الحركة التي انتمى إليها لفترة طويلة , بالرغم من أنك لم تسرد كافة السلبيات , إلا أنك بالفعل خرجت عن المألوف ووضحت حقيقة الحركة التي لا تقبل التعايش مع الأخر , والتي لا تقبل أي شكل من أشكال النقد , بورك من أعترف بأن تلك الحركة قد سفكت الدماء وكسرت الأقلام وعاثت بالأرض فساداً , وأنا أدرك جيداً يا غازي أنك بت من ضمن القائمة السوداء التي تقوم حركة التمرد الدموي حماس بتحديثها يومياً , بل وقد تكون أنت على رأس تلك القائمة , لكن عليك أن تدرك أن لا مجال للخوف في هذه المرحلة , والخوف الذي يجب أن نشعر به هو الخوف من الله , فما في الدنيا زائل لا محالة حتى الجسد الذي نتمسك به ونحاول جاهدين أن نبقيه شاباً فإنه إلى زوال , لذلك الخوف يجب أن يأتي من المعاصي والذنوب التي نرتكبها في حياتنا , وعلينا أن لا نخاف إذا صرخنا عالياً بقول كلمة حق .
عليك أن تدرك أنك بالفعل في خطر , وأن حركة حماس ستحاول أن تغتال صوتك من خلال اغتيال الجسد , وستلقي التهمة كالعادة إلى' التيار الخياني'في حركة فتح كما يزعمون دائماً , لكن تأكد أنك بت أكثر قرباً من الشعب ومن الأرض التي لا بد لك أن تحظى منها بقطعة ارض صغيره عن طيب خاطرا منها, وبت أقرب إلى الله والى نفسك , وعليك أن تحاول حماية توبتك لا حماية جسدك الفاني , عليك أن تصمد وأن تدرك أن الكثيرين باتوا حولك , وسيدافعون عن هذا الصوت بأجسادهم , لكن إياك ثم إياك أن تضعف فلن يكون عقاب حماس أشد من عقاب الله .
وهذه دعوة لبقية حمائم السلام أن تنهج نهجك , فالبرغم من الخوف والجبن الظاهر على رئيس الوزراء المخلوع هنيه , إلا أنني أرى أنه يملك نفس الأوتار الصوتية , وزميل لك في الفكر والمبدأ , لكنك استطعت أن تخرج من القمقم , أما هنيه فلا زال يرتعد خوفاً من نور الحقيقة وهراوات المتآمرين, لكنه مشروع يجب علينا أن ندعمه , وأن نشجعه على التوبة وعلى استقالته من الوطن الضيق لينظم إلى بقية الشعب في الوطن الواسع , علينا في الحقيقة أن ندرك أن بطش هذه الحركة الدموية لا يستهان به , فهي لا تعرف المحرمات ولا تخشى الله , ومن هذا المنطلق قد نجد مبرراً على تأخر تلك الأصوات بالظهور إلى العلن , وإشهار توبتها لله والوطن والشعب .
لكن من واجبنا أن نسعى قدماً إلى دعم تلك الأصوات وأن نشعرها بأن الأمن والأمان لن يكونا إلا في الوطن الواسع , وعلينا أن ندعم هذا التيار بالسر والعلن , وعلينا أن نشجعهم وأن نؤهلهم ليكونوا قادرين على البوح بالحق.
ندعو جميع من يملكون ضمائر حتى لو كانت تلك الضمائر حبيسة الخوف , أن تتحرر من خوفها ومن الرعب الذي يسكنها من جراء العقاب التي قد تتلقاه نتيجة صحوتها ونتيجة توبتها .ندعوها إلى الجرأة والى العودة إلى حضن الوطن , فلن ينفعها مشعل ولا الزهار ولا صيام الذين لا يزيدون أتباعهم إلا سيئات , ولا يقدمون إلى أيادي تابعيهم إلا مزيداً من دماء الأبرياء.
وفي النهاية أدعوكم وأنتم حملة رايات الإسلام كما تزعمون , أدعوكم إلى التمعن في الجنة والنار , والفرق بين عقاب حماس وعقاب الله , والفرق بين حضن الوطن الواسع وجحر الوطن الضيق , أدعوكم جميعاً إلى الانضمام لصوت غازي حمد , حتى يقوى صوتكم ويشتد عودكم , لتصبحوا قادرين على الخروج من الذنب الحمساوي الذي لوثكم ولوث أيديكم , ولوث حتى الأجنة في أرحام نسائكم.

بقلم
جمال قبها

ليست هناك تعليقات: